فصل: مسألة يشتري العبد المسلم فيجده أغلف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة العبد يشترى وله مال فيصاب ماله في أيام العهدة فيريد المشتري أن يرده بذلك:

ومن كتاب الصلاة:
وقال في العبد يشترى وله مال فيصاب ماله في أيام العهدة فيريد المشتري أن يرده بذلك ويراه كالعيب يحدث به في العهدة إن ذلك ليس له، واشتراؤه له لازم، ولا يعيب العبد في مثل هذا شيء من ذهاب ماله.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المال تبع للعبد ولا حصة له من الثمن لو استحق لم يجب للمبتاع بذلك رجوع على البائع، ولو تلف العبد في العهدة وبقي ماله انتقض البيع ولم يكن للمبتاع أن يختار البيع فيحبس المال ويدفع الثمن، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري الجارية فيتغير منظرها ويقبح حالها قبل السنة:

ومن كتاب الأقضية:
وسألته: عن الذي يشتري الجارية فيتغير منظرها ويقبح حالها قبل السنة حتى إذا نظر إليها الناظر ظن أن بها جذاما لخفة حاجبها وسوء منظرها، ثم ينظر إليها أهل البصر بها فيقولون: هو بها فيما نظن ولا نستيقن ذلك؛ لأن أول ما يبدأ لها فيشك الناظر إليها فيحول الحول وتمضي أيام عهدة السنة ولا يردها السلطان على بائعها لموضع الشك، ثم يصير أمرها إلى أن يتحقق بها جذام بين بعد السنة، فقال: أما إذا اشتريت في العهدة ورفع أمرها إلى القاضي ورأى أهل البصر أن الذي بدا بها سبب الجذام ويخاف عليها، فأرى إن استحق ذلك بها على قرب من انسلاخ السنة، وبحد ثان مضي العهدة أن يرد بالذي كان اشتريت منه لأن تلك التهمة اتصلت بالحقيقة، قال: وإن طال زمانها بعد انقضاء عهدة السنة لم أر أن ترد بتلك التهمة.
قال محمد بن رشد: هذا مثل، ما ذهب إليه ابن المواز وابن حبيب خلاف ما حكي عن ابن القاسم وابن كنانة من أنه لا يجب ردها إلا أن يتحقق أنه جذام بين أو برص بين في داخل السنة، وقد مضى في رسم الكبش قبل هذا لابن القاسم دليل على ما حكى عنه ابن حبيب، وهو الذي يوجبه النظر، وذلك أنه لما كان يكمن ويخفى ولا يتحقق عند أول ما يبدأ جعلت السنة حدا لما يستتر فيه من أول ابتدائه إلى حين تحققه، فإذا تحقق في السنة حمل أمره على أن ابتداءه كان منذ سنة وهو في ملك البائع، وإذا لم يتحقق إلا بعد السنة وجب أن يحمل أمره على ابتدائه كان منذ سنة من يومئذ وهو في ملك المشتري، وبالله التوفيق لا رب سواه.

.مسألة العبد يشترى بالعهدة إلا أن البائع تبرأ من الإباق، فأبق العبد في الأيام الثلاثة:

ومن كتاب أوله أول عبد أبتاعه فهو حر:
وسئل: عن العبد يشترى بالعهدة إلا أن البائع تبرأ من الإباق، فأبق العبد في الأيام الثلاثة ثم لم يدر أمات في أيام العهدة أم لا وقد تبين أنه مات في إباقه ذلك، قال: سمعت مالكا يقول: هو من المشتري حتى يتبين أنه مات في أيام العهدة، قال: ولكن إن باعه بالعهدة ولم يتبرأ من إباقه فأبق في أيام العهدة فضمانه من البائع مات أو عاش، وذلك أنه لو وجده كان له رده، وإباقه في أيام العهدة من البائع.
قال محمد بن رشد: أما إذا باعه بالبراءة من الإباق فأبق في عهدة الثلاث ولم تعلم حياته من موته أو علم أنه مات ولم يعلم إن كان مات في العهدة أو بعدها، فقوله ههنا: إنه من المشتري هو مثل إحدى روايتي ابن نافع وأشهب عن مالك في سماعه، ومثل ما في رسم طلق من سماع ابن القاسم خلاف الرواية الثانية لأشهب وابن نافع عن مالك في المدونة في أول سماعه، وقد مضى القول على ذلك في المواضع المذكورة، فلا وجه لإعادته.
وأما إذا باعه بالعهدة ولم يتبرأ من الإباق فأبق في العهدة فضمانه من البائع كما قال؛ لأن ما أصاب العبد من العيوب في أيام العهدة فهو من البائع، والمبتاع فيه بالخيار، والإباق عيب من العيوب، فإذا أبق في العهدة فالمبتاع فيه بالخيار، فإذا مات قبل أن يختار وجب أن يكون ضمانه من البائع وإن كان موته بعد أيام العهدة كالعبد يموت في أيام الخيار، وكذلك إن غاب في العهدة ولم يرجع وجب على البائع أن يرد الثمن ويطلب عبده، وكذلك إن دلس له بالإباق فأبق بعد العهدة ولم يرجع. وبالله التوفيق.

.مسألة يبيع العبد بالعهدة ثم يجد به المشتري عيبا بعد العهدة يرد منه ولا يجد البينة:

وسألته: عن الرجل يبيع العبد بالعهدة ثم يجد به المشتري عيبا بعد العهدة يرد منه ولا يجد البينة أنه كان بالعبد عند البائع، كيف يحلف البائع على البت أن ذلك العيب لم يكن بالعبد يوم باعه أم على علمه؟ فقال: أما كل عيب ظاهر يرى أنه لم يكن يخفى عليه وأنه قد دلس به فيما يرى وهو مما لا يحدث مثله في قدر ما كان عند المشتري، فإنه يرد بلا بينة ولا يقبل فيه يمين البائع إذا كانت معرفة ذلك ثابتة عند الناس أن العيب قديم وأنه بموضع لم يكن ليخفى مثله على البائع في طول ما ملكه وكان في يديه.
قال: وأما العيب الظاهر فإن رئي أن مثله لا يخفى غير أنه مما يحدث مثله في قدر ما كان العبد عند المشتري فإنه يحلف بالله لقد باعه وما به هذا العيب على البت، ولا ينفعه أن يقول ما علمت به، فإن نكل حلف المشتري بالله الذي لا إله إلا هو ما حدث عندي على البت أيضا ولا ينفعه أن يقول: ما علمته حدث عندي ثم يرده إن شاء، فإن نكل لزمه حبسه.
قال: وكذلك يحلف البائع أيضا فيما يخفى من العيوب التي تحدث على البت أيضا ولا ينفعه أن يقول: ما علمته حدث عندي ثم يرده إن شاء، فإن نكل حلف المشتري أنها لم تحدث عنده على البت أيضا، وأما ما يخفى مما يرى أنه بالعبد قديم فهو مثل ما يظهر مما يرى أنه بالعبد قديم إذا ثبت معرفة ذلك عند الناس رده بلا بينة، ولا يقبل للبائع في ذلك يمين.
قال محمد بن رشد: رواية يحيى هذه في وجوب اليمين على البت فيما يخفى مما يحدث ويقدم من العيوب خلاف المشهور في المذهب، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في أول رسم من سماع ابن القاسم، ومضى طرف منه في رسم الفصاحة من سماع عيسى لمن أحب الوقوف عليه فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري العبد بالبراءة ثم يجد به عيبا:

قال: قلت: فالذي يشتري العبد بالبراءة ثم يجد به عيبا أو خفيا مما يحدث أو مما لا يحدث مثله كيف يحلف؟ فقال: كل عيب يوجد بعبد اشتري بالبراءة كان ظاهرا أو خفيا مما يرى أنه بالعبد قديم فإن البائع يحلف فيه على علمه بالله الذي لا إله إلا هو لباعه ولا يعلم به هذا العيب ثم يبرأ، فإن نكل حلف المشتري بالله ما علم أن هذا العيب حدث عنده ثم رده.
قال: وكذلك يحلف أيضا فيما يحدث ويقدم على علمه ثم لا شيء عليه؛ لأنه قد تبرأ عند البيع من عيوبه كلها فكل عيب لا يثبت عليه أنه علمه وإن كان بالعبد يوم باعه فإنه منه بريء، فلذلك لم يحلف إلا على علمه، قلت: أرأيت إن كان بالعبد شيء ظاهر لا يشك أنه قد علم به فيما يرى الناس، أتنفعه البراءة في مثله؟.
قال محمد بن رشد: أما بيع البراءة فلا اختلاف أعلمه في أن الأيمان فيها إنما تكون على العلم سواء كانت العيوب مما تخفى أو مما لا تخفى، وإنما اختلف في بيع الإسلام وعهدته حسبما مضى القول فيه في أول سماع ابن القاسم، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب لمن أحب الوقوف عليه، وأما إذا كان العيب ظاهرا لا يشك أن البائع قد علمه وباع بالبراءة فلم يقع في ذلك في الرواية جواب، والجواب في ذلك: أن البراءة لا تنفعه في ذلك، كذلك روى زياد عن مالك، قال: ومن باع عبدا بالبراءة فوجده المشتري مقعدا أو قد ذهب يده أو رجله أو عينه أو وجده أعمى ونحو هذه العيوب التي يرى أن صاحبه قد علمها وكتمه لم تنفعه البراءة وكان بيعا مردودا، ومثله في كتاب أصبغ عن ابن القاسم، ومعنى هذا إذا كان غائبا فباعه على الصفة، وأما إذا كان حاضرا فرآه المشتري عند الشراء فليس شيء من هذا بعيب؛ لأنها ظاهرة ترى على ما قال في المدونة وبالله التوفيق.

.مسألة العبد يجرح موضحة فيبين سيده قبل أن يبرأ أو يحكم له بأرشها:

من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: وسألت ابن القاسم: عن العبد يجرح موضحة فيبين سيده قبل أن يبرأ أو يحكم له بأرشها، قال: هذا بيع فاسد إلا أن يكون قد باعه وقد برأ الجاني من الجرح، وأما إن لم يبرئه فمات العبد في يد المشتري أيرجع بالقيمة فهذا غرر لا يدري العبد اشترى أو ما يأخذ من القيمة؟ وإن كان البائع برأ الجاني لم أر به بأسا؛ لأنه قد باعه عبدا به عيب، فإن مات فهي مصيبة، وإن بقي فهو عبده، قلت له: فلو أراد سيده البائع قبل أن يبيعه أن يتعجل أرش الموضحة أكان ذلك له؟ قال: لا.
قال سحنون:
وروى التونسيون في الرجل يشتري العبد المجروح موضحة أن البيع لا يجوز؛ لأنه إن سلم كان له العبد، وإن مات كانت له القيمة، فيدخله الخطر، وسألت ابن القاسم عنها فقال: البيع جائز وهو بمنزلة ما أصابه في عهدة الثلاث، وكلمت فيها أشهب فقال: البيع جائز ويوقف الثمن، فإن سلم كان للمشتري، وإن مات كان من البائع بمنزلة مواضعة الجارية للاستبراء، فكنت أستحسن قول أشهب، إلا أنه يدخله إلى أن الاستبراء له أمر معروف يوقف به، وإن زادت وتمادى بها الاستبراء كان عيبا وكان له الرد، وهذا لا أمد له ينتهي إليه إلا إلى البرء، ولعله يطول فيكون فيه ضرر؛ ولأن هذا اشترى فبان بما اشترى، وهذا باع فانتقد ثمن ما باع، فدخله هذا فوجدت الخطر أملك به.
قال محمد بن رشد: قال ابن القاسم: أولا في العبد المجروح موضحة إن بيعه لا يجوز إلا أن يكون قد برأ الجاني من الجرح؛ لأنه إن باعه ولم يبرأ الجاني من الجرح كان غررا، إذ لا يدري هل يسلم العبد فيكون له أو يموت فتكون له القيمة مثل رواية التونسيين؛ وقال في القول الآخر: إن البيع جائز ويكون بمنزلة ما أصابه في عهدة الثلاث، يريد أنه إن مات كانت قيمته للبائع وانفسخ البيع، وإن سلم كان للمشتري، وكان الأرش للبائع، كما إذا أصابه ذلك في عهدة الثلاث فرضي المشتري بأخذه إن مات كانت قيمته للبائع وانفسخ البيع، وإن سلم كان للمشتري وكان الأرش للبائع، فلا يجوز النقد في ذلك بشرط، كما لا يجوز في المواضعة ولا في عهدة الأيام الثلاث ولا في أيام الخيار، وقول أشهب: إن الثمن موقف هو على معنى الاختلاف في وجوب توقيف الثمن في الاستبراء، وسيأتي القول على هذا في أول سماع ابن القاسم من كتاب الاستبراء إن شاء الله، ولو وقع البيع على أنه إن سلم أخذه المبتاع، وإن مات كانت القيمة على الجاني لم يجز باتفاق، وإنما الاختلاف إذا وقع البيع على غير بيان أو على أنه إن مات كانت القيمة للبائع على الجاني وانفسخ البيع، فمرة أجيز البيع قياسا على مواضعة الجارية في الاستبراء، ومرة لم يجز وفرق بين الموضعين من أجل أن الاستبراء له أمد معروف وهذا لا أمد له إلا إلى البرء، وقد تكون السنة أو أكثر من السنة، ولا نص خلاف في أن ذلك إذا أصابه في عهدة الثلاث يكون المشتري مخيرا بين أن يرده من ساعته أو يأخذه إن سلم ويكون الأرش للبائع.
وقال الفضل: الصواب ألا يكون للمشتري أن يقبل العبد مجنيا عليه إلا أن يسقط البائع تبعته عن الجاني، وإلى هذا ذهب ابن عبدوس فقال: كل ما لا يجوز ابتداؤه فلا يجوز أخذه بعد الخيار وكأنه ابتداء شراء.
وقد أنكر سحنون على ابن القاسم قوله في الكافر يشتري العبد الكافر على أنه بالخيار فيسلم العبد في أيام الخيار إنه إن اختار بيع عليه، وقال: لا يجوز أن يختار الشراء بعد إسلام العبد؛ لأن يصير مشتريا لعبد مسلم، وهذا أصل مختلف فيه، فمنه اختلافهم في الذي يشتري العبيد جملة فيستحق أكثرهم هل له أن يأخذ ما بقي بما ينوبهم من الثمن أم لا؟ اختلف في ذلك قول ابن القاسم، وفي إجازة شراء العبد المجروح موضحة إذا أبرأ السيد الجارح جواز شراء المريض، وقد مضى مثل هذا في رسم الجواب من سماع عيسى، ومضى ذكر الاختلاف في هذا في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم لمن أحب الوقوف عليه.
وأما قوله: إنه ليس له أن يتعجل أرش الموضحة ففي ذلك اختلاف، قيل: إن له أن يتعجلها، فإن مات العبد منها وفي تمام قيمته، وهو مذهب ابن الماجشون وسحنون.
فهذا حكم الجناية على العبد في عهدة الثلاث، وأما جنايته فيها على غيره ففيها تفصيل على معنى ما في الأمهات، المدونة والواضحة وغيرهما، سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الجنايات، وبالله التوفيق.

.مسألة العهدة في العبد المقرض والعبد المسلف فيه:

من نوازل سئل عنها سحنون بن سعيد قال سحنون: لا عهدة ثلاث ولا سنة في العبد المقرض ولا في العبد المسلف فيه ولا المصالح به، ولا في العبد الغائب يشترى على صفة، ولا العبد المأخوذ من دين، ولا في العبد المنكح به، ولا في العبد المخالع به، ولا العبد المقاطع به من كتابة المكاتب، ولا العبد المأخوذ من دم عمد، وهذا كله على مذهب ابن القاسم؛ قال: وعلى ما روى أشهب في العبد المنكح به أن فيه عهدة الثلاث وعهدة السنة.
قال محمد بن رشد: أما العبد المقرض فلا اختلاف في أنه لا عهدة فيه إذ ليس ببيع، والعهدة إنما جاءت فيما اشتري من الرقيق.
وأما العبد المسلف فيه فابن حبيب يرى فيه العهدة؛ لأنه مشترى، ووجه قول ابن القاسم: أنه ليس مشترى بعينه وإنما هو ثابت في الذمة بصفته فأشبه القرض.
وأما المصالح به فمعناه المصالح به على الإنكار، وأما المصالح به على الإقرار فهو بيع من البيوع تكون فيه العهدة، وإنما لم تكن في المصالح به على الإنكار عهدة؛ لأنه أشبه الهبة في حق الدافع؛ ولأنه يقتضي المناجزة؛ لأنه أخذه على ترك خصومة فلا يجوز لهما التأجيل فيه، ولو استحق لما رجع بالعرض على حكم البيوع.
وأما المأخوذ من دين أو دم عمد فإنما لم تكن في ذلك العهدة لوجوب المناجزة في ذلك اتقاء الدين بالدين.
أما العبد المشترى على الصفة، فإنما لم يكن فيه عهدة؛ لأن وجه البيع يقتضي إسقاطها لاقتضائه التناجز إذا كان الناس يتبايعون الغائب على ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من المبتاع، فإن اشترط الصفقة لم تكن فيه عهدة؛ لأن بيع الصفقة موجز قاطع للضمان والعهدة، وإن لم يشترطها فمرة حمل مالك البيع على ذلك، ومرة رأى السلعة في ضمان البائع حتى يقبضها المبتاع فيكون قبضه لها على هذا القول قبضا ناجزا لا عهدة فيه.
وأما العبد المنكح به فوجه وجوب العهدة فيه قياسه على البيوع، وقد قال مالك: أشبه شيء بالبيوع النكاح.
ووجه إسقاطها فيه هو أن طريقه المكارمة، ويجوز فيه من الغرر والجهول ما لا يجوز في البيوع، وقد سماه الله نحلة، والنحلة ما لم يعتض عليه، فوجب ألا تكون فيه عهدة.
وأما العبد المخالع به: فإنما لم تكن به عهدة؛ لأن طريقه المناجزة؛ لأن المرأة لما كانت تملك نفسها بالخلع ملكا تاما ناجزا لا يتعقبه رد ولا فسخ وجب أن يملك الزوج في العرض ملكا ناجزا لا يتعقبه رد ولا فسخ.
وأما العبد المقاطع به: فإنما لم تكن فيه عهدة؛ لأنه إن كان عبدا بيعنه فكأنه انتزعه منه وأعتقه، وإن كان بغير عينه فأشبه المسلم فيه الثابت في الذمة فسقطت فيه العهدة.
وقد اختلف في العهدة في العبد المستقال منه، فقال ابن حبيب وأصبغ: فيه العهدة، وقال سحنون: لا عهدة فيه، وهذا عندي إذا لم ينتقد، وأما إذا كان قد انتقد فلا عهدة في ذلك قولا واحد؛ لأنه كالمعبد المأخوذ من دين.
وقال ابن العطار: إنه لا عهده في العبد إذا كان رأس مال المسلم، وقوله صحيح؛ لأن السلم يقتضي المناجزة، وقد قيل: لا يجوز أن ينعقد السلم على أن يتأخر رأس مال السلم اليوم واليومين والثلاثة، وإنما يجوز أن يتأخر إلى هذا المقدار إذا وقع على المناجزة، وهذا القول قائم من المدونة بدليل، وعلى قياس قوله: لا عهدة فيما بيع من الرقيق بدين إلى أجل، واعترض ابن الهندي على ابن العطار قوله ورأى فيه العهدة، وحكى ابن حبيب في الواضحة أنه لا عهدة في العبد الموهوب على الثواب.
والوجه في ذلك أنه بيع على المكارمة لا على المكايسة، فأشبه العبد المنكح به يدخل فيه من الاختلاف ما دخل في العبد المنكح به، والله أعلم، وبالله عز وجل التوفيق.

.مسألة يشتري الشاة وهي حامل فتلد عنده فيأكل لبنها وسخلتها ثم يجد بها عيبا ترد منه:

من سماع موسى بن معاوية من ابن القاسم قال موسى بن معاوية: قال ابن القاسم في الرجل يشتري الشاة وهي حامل فتلد عنده فيأكل لبنها وسخلتها ثم يجد بها عيبا ترد منه، قال: إن أحب أن يردها ويقاص بقيمة ولدها الذي أكل من ثمنها فذلك له، وإن أحب أن يمسكها ويأخذ قيمة العيب من بائعها فذلك له، وإنما كان له أن يأخذ قيمة العيب ويمسكها؛ لأن، الولد ربما جاء من ثمنه ما هو أكثر من ثمنها الذي ابتاعها به، فيصير إن قاصه لم يرجع على البائع بشيء حينئذ، فلذلك يكون له أن يحبسها ويأخذ قيمة العيب، وما أكل من لبن أو لبإ أو شعر انتفع به لم يقاص بشيء منه؛ لأنه كان له بالضمان، وهو بمنزلة الغلة؛ لأنه لو فلس صاحبها فأدركها وولدها أخذهما، ولو وجد لها لبنا أو شعرا قد أخذ منها لم يكن له منه شيء.
قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم لمن أحب أن يتأمله فلا وجه لإعادته، ومضى أيضا في رسم باع شاة من سماع عيسى، والله المعين.

.مسألة الفصوص يشتريها الرجل فيحكها فيظهر بها عيوب:

من سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم قال محمد بن خالد: سألت ابن القاسم عن الفصوص يشتريها الرجل فيحكها فيظهر بها عيوب عند الحك لم يكن بها قبل ذلك في الظاهر، فقال: قال مالك: المبتاع لها ضامن، وكذلك كل ما يباع فكان المبتاع والبائع في معرفته سواء لا يظن أن البائع قد عرف من سلعته ما لم يعرف المبتاع، فإن المبتاع لما اشترى من ذلك ضامن ليس له إلى رده سبيل، قال: ومن ذلك الخشب والجوز والرانج، قال مالك: والبيض مخالف لهذا، وذلك؛ لأن فسادها يعرف، فما وجد فيه من فاسد رده.
قال مالك: وإن الناس ليردون القثاء إذا وجدوه مرا كأنه يراه بمنزلة ما ذكرنا مما معرفة المبتاع فيه والبائع سواء.
وقال ابن نافع وداود مثل ذلك، غير أن ابن نافع قال في الجوز إذا اشتراه الرجل فوجد عامته فاسدا: إنه يرده ويأخذ الثمن من بائعه، وإن كان فساده يسيرا لم يرده ولزمه ما اشترى، وقال محمد بن خالد: وقوله في الجوز أحب إلينا.
قال محمد بن رشد: الأصل في هذا أنه لا يرد من العيوب إلا ما يمكن أن يعرفه الناس، فيكون البائع غارا به ومدلسا فيه، فأما ما لا يمكن أن يعرفه الناس ويستوي في الجهل بمعرفته البائع والمبتاع ولا يمكن الوصول إلى العلم به بوجه من وجوه الاختبار، ولا كان من سبب حادث يمكن أن يعلم ولا من سوء صنعة، فإنه لا يجب الرد بشيء من ذلك ولا القيام به، مثل العفن يكون في داخل العود والخشبة من قبل القطع لا يعلم به إلا بعد نشره وشقه، ومثل الجذري يكون في الجلود لا يتبين إلا بعد إدخالها في الدباغ، ومثل الجوز والرانج يباع فيوجد فيه إذا كسر فاسدا أو معفونا، ومثل القثاء يباع فيوجد فيها مرا وما أشبه ذلك، فأما ما أمكن معرفته بالاختبار مثل القثاء والقثاتين توجد مرة فإنها ترد؛ لأنها يوصل إلى معرفة مرارتها من غير أن تقطع بالعود يدخل فيها، فإن الرد يجب بذلك، قاله أشهب، أو مثل الأحمال من القثاء توجد مرة كلها أو الجوز يوجد فاسدا كله فإنها ترد؛ لأن هذا مما لا يمكن أن يخفى على البائع، أو كان فساده من سبب حادث مثل الجلود تفسد من حرارة الشمس أو قلة الملح، أو ماء بحر يصيبها، على ما قال ابن حبيب، أو سوء صنعة مثل العره أو الجبنة على ما قال ابن مزين، فإن الرد يجب بذلك كله، وكذلك كل ما كان القدم يفسده مثل البيض وما أشبهه فإن الرد يجب بذلك كله، وهذا كله لا اختلاف فيه، فقول ابن نافع ليس بخلاف لقول ابن القاسم، وإنما قال ابن خالد: وقوله: أحب إلينا؛ لأنه رأى قول من فسر أحسن من قول من أجمل، ويتخرج في المذهب قولان فيما كان الفساد فيه لا يعرف ولم يكن من الأصل ولا كان حادثا بسبب يعلم، فعلى ما ذهب إليه ابن حبيب يحب الرد بذلك، قال: لأن هذا مما يمكن أن يعلمه بعض الناس، وعلى ظاهر ما في هذه الرواية وغيرها لا يجب به الرد، والله أعلم. وبالله التوفيق.

.مسألة الجارية تشترى وهي لم تخفض:

قال: وقال ابن القاسم: قال مالك في الجارية تشترى وهي لم تخفض يريد أنها لم تختن إنها إذا كانت فارهة ردت؛ لأنه عيب من العيوب.
قال محمد بن أحمد: معناه إذا كانت من رقيق العرب الذين يخفضون على ما مضى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم وفي رسم الجواب من سماع عيسى.

.مسألة يشتري العبد المسلم فيجده أغلف:

قال: وسألت ابن نافع عن الرجل يشتري العبد المسلم فيجده أغلف، قال يرده بذلك عليه؛ لأنه عيب.
قال محمد بن رشد: معناه إذا كان من رقيق العرب الذين يختنون ولم يكن مجلوبا من رقيق العجم على ما مضى أيضا في سماع ابن القاسم وفي سماع عيسى، وظاهر قوله أن الرفيع والوضيع في ذلك بمنزلة سواء مثل قول ابن حبيب في الواضحة خلاف ما مضى في سماع عيسى، وقد مضى تحصيل القول في هذا في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة يبيع البقرة على أنها حامل:

من سماع عبد الملك بن الحسن من أشهب قال عبد الملك: سئل أشهب عن الذي يبيع البقرة على أنها حامل، فقال: إذا لم توجد حاملا ردت، قيل: فالجارية تباع على أنها حامل فتوجد غير حامل، فقال: ذلك يختلف إن كانت من الجواري المرتفعات اللاتي ينقصهن الحمل فإنما ذلك تبري وليس عليه شيء، وإن كانت من الجواري اللاتي يزيدهن الحمل فوجدها غير حامل ردها.
قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا في بيع البقرة والجارية التي يزيدها الحمل على أنها حامل إن البيع جائز ويردها إن لم تكن حاملا خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك، لا يجوز على مذهبهما بيع الشاة ولا البقرة ولا الجارية الدنية التي يزيدها الحمل على أنها حامل وإن كانت ظاهرة الحمل، والبيع على ذلك مفسوخ، وذلك بين من قوله في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وأجاز ذلك سحنون إذا كانت ظاهرة الحمل، وقال ابن أبي حازم في المدنية: البيع جائز ولا يردها إن لم يجدها حاملا، قال ذلك في الذي يبيع الرمكة ويشترط أنها عقوق إذا باعها وهو يرى أنها كما قال، قال: ولو باعها وهو يعلم أنها على غير ذلك بمعرفته أن الفحل ينزو عليها لكان للمشتري أن يردها؛ لأنه قد غره بما أطمعه من عقاقها، فإذا لم يعلم بأنها عقوق فشرط له أنها عقوق فالبيع جائز ولا يلزمه ما شرط إذ لا علم له به ولا للمشتري، فكلاهما في عمى، فالبيع ماض ولا ينتقض، فتحصل في المسألة أربعة أقوال: أظهرها قول سحنون: أن البيع فاسد إلا أن يكون الحمل ظاهرا، وقال ابن عبد الحكم: لا خير في أن بيع الرجل الدابة ويشترط عقاقها، ولو قال: هي عقوق ولم يشترط ذلك لم يكن به بأس.

.مسألة يشتري العبد ثم يظهر منه على عيب يرد منه:

من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب البيوع قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل يشتري العبد ثم يظهر منه على عيب يرد منه، فيقول البائع: بعته بعشرين، ويقول المشتري: بل بثلاثين، وكيف إن قال البائع: بعتكه بعرض؟ قال: القول قول البائع في جميع ذلك مع يمينه إلا أن يأتي بما لا يشبه. قال أصبغ: فيرجع القول قول المشتري إذا أتى بما يشبه، فإن أتى أيضا هو بما لا يشبه ولا يعادل ولا يقارب رأيت الثمن بقدر قيمة العبد يوم قبضه معيبا يرد ذلك البائع على المشتري ويرد عليه العبد، وما سمعت فيه شيئا وهو رأيي.
قال محمد بن أحمد: قوله: إنهما إذا اختلفا في الثمن عند وجود العيب إن القول قول البائع إذا أتى بما يشبه صحيح؛ لأنه مدعى عليه منكر لما ادعى عليه المشتري، وقد أحكمت السنة أن البينة على المدعي واليمين على من أنكره، وقول أصبغ: فإن أتى بما لا يشبه رجع القول قول المشتري إذا أتى بما يشبه صحيح أيضا لا إشكال فيه ولا اختلاف، وأما قوله: فإن أتى أيضا بما لا يشبه رأيت الثمن بقدر قيمة العبد يوم قبضه معيبا، فإنه كلام ليس على ظاهره؛ لأن البائع لم يقبض الثمن فيه إلا على أنه صحيح فإنما تكون القيمة فيه على أنه صحيح، فمعنى قوله: إن الثمن يكون بقدر قيمة العبد صحيحا يوم قبضه معيبا أي يوم باعه معيبا، إلا أن يكون البيع والقبض في يوم واحد، وذلك أيضا بعد أيمانهما جميعا أو نكولهما جميعا، فإن حلف أحدهما، ونكل الآخر كان القول قول الحالف منهما، وإن كان لا يشبه؛ لأن صاحبه قد مكنه من دعواه بنكوله وبالله التوفيق.

.مسألة باع من رجل سلعة ثم باعها المشتري من آخر ثم غاب:

قال: وسألت ابن القاسم عن رجل باع من رجل سلعة، ثم باعها المشتري من آخر ثم غاب ثم أتى من استحق السلعة، فقال المشتري الثاني للبائع الأول: أنت بعتها من بيعي هذا، هل يعدى عليه أم لا؟ قال: نعم يرجع عليه، وقاله أصبغ، قال أصبغ: وكذلك العيوب إلا أن عليه في العيوب أن يقيم البينة أنه اشترى بيع الإسلام وعهدة الإسلام بغير براءة، فإن أقام ذلك رجع على البائع الأول ورد عليه ماله حتى يقيم هو البينة أنه بايع صاحبه بيع البراءة أو تبرأ إليه منه؛ لأن الأوسط لو كان حاضرا فرد عليه لكان له الرد على صاحبه حتى يثبت عليه التبرئة والمعاملة عليها فهو في مقامه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الأول غريم غريمه فيكون عليه في الاستحقاق والرد بالعيب ما كان يكون لغريمه عليه لو رجع عليه، فيرجع عليه في الاستحقاق بأقل الثمنين، وكذلك إذا رد عليه بالعيب إنما يأخذ منه أقل الثمنين، فإن كان ثمنه أكثر من الثمن الذي باعه به الأول اتبع الذي باعه هو ببقية ثمنه، وكذلك إذا كان قد فات فإنما يرجع عليه بالأقل من قيمة العيب من الثمن الذي باعه يوم باعه، أو الأقل من قيمة العيب من الثمن الذي باعه به الأول يوم باعه، وقد مضى هذا في رسم البراءة من سماع عيسى لمن أحب الوقوف عليه فلا وجه لإعادته.
وقال أصبغ: إن عليه أن يقيم البينة على أنه اشترى بيع الإسلام وعهدته، وسكت عما يجب عليه من إقامة البينة على أنه نقد الثمن، وقد مضى ذلك والحكم فيه إذا عجز عن إقامته في رسم نقدها من سماع عيسى لمن أحب الوقوف عليه فلا وجه لإعادته. وبالله التوفيق.